المؤتمرات الانتخابية وفجاجة لغة الخطاب

2025-11-02
1

ع ح ن -Ihn 

 

بقلم: صاحب العنزي 

 

مع اقتراب الاستحقاقات البرلمانية، تبرز ظاهرة مقلقة باتت تتكرر في المشهد الانتخابي، تتمثل في تدهور مستوى الخطاب السياسي، وانحدار لغة الحوار بين المرشحين إلى حدٍّ يمسّ الذوق العام ويشوّه صورة الممارسة الديمقراطية. فقد تحوّلت بعض المنابر الانتخابية إلى ساحات لتبادل الإهانات والاتهامات، بدل أن تكون فضاءً للتنافس القائم على البرامج والأفكار والرؤى الوطنية.

 

إنّ ما يجري لا يمكن اعتباره مجرّد حماسة انتخابية أو انفعالًا عابرًا، بل هو خدش صارخ للذوق العام وتعبير واضح عن أزمة في الوعي السياسي والأخلاقي اللامسؤول . فحين يُستبدل النقاش البنّاء بالتجريح الشخصي، تُفرغ العملية الانتخابية من مضمونها الديمقراطي، وتتحول من مناسبة وطنية إلى مشهد يكرّس الانقسام ويغذّي التعصب.

 

ولا شكّ أنّ هذه المهاترات اللفظية لا تتناسب إطلاقًا مع العمق التاريخي والحضاري الذي يمتد لآلاف السنين لبلاد الرافدين ، ولا مع الإرث العقائدي والثقافي الذي شكّل هوية الأمة ووجدانها على مر العصور. إنّ الشعوب ذات التاريخ العريق مطالَبة بأن تعكس في خطابها ووعيها ما يليق بمكانتها، لا أن تُختزل صورتها في مشاهد صخب لفظي لا تمتّ إلى قيمها الراسخة بصلة.

 

تقتضي المسؤولية الوطنية من المرشحين والقائمين على الحملات الانتخابية الالتزام بآداب الخطاب العام واحترام الخصوم السياسيين، لأنّ الكلمة جزء من الممارسة السياسية، والالتزام الأخلاقي في القول يوازي الالتزام القانوني في السلوك. إنّ تهذيب لغة الخطاب ليس ترفًا سياسيًا، بل شرط أساسي لصون هيبة العملية الانتخابية وحماية الذوق العام من الانحدار.

 

لقد أثبتت التجارب أن نزاهة الانتخابات لا تُقاس فقط بنزاهة الصناديق، بل أيضًا بنزاهة الكلمة ورصانة الخطاب. فاحترام الرأي الآخر والتعبير بلغة مسؤولة يمثلان الركيزة الأولى لأي ممارسة ديمقراطية حقيقية. ومن لا يحترم خصومه في القول، يصعب أن يحترم المواطنين في الممارسة والعمل العام.

 

إنّ صيانة الذوق العام مسؤولية جماعية، تبدأ من المنابر الانتخابية، وتمتد إلى وسائل الإعلام والجمهور ذاته، عبر ترسيخ ثقافة الحوار الهادئ والابتعاد عن لغة الاستفزاز والمهاترات. فالمجتمع الذي يعلو فيه صوت العقل والحجة، هو وحده القادر على صناعة برلمان يعبّر عن وعيه وطموحه، ويحافظ على مكانته الحضارية التي تليق بتاريخه وإرثه القيمي والإنساني فالانتخابات ليست ميدانًا لتصفية الحسابات الشخصية، بل ساحة للتنافس الشريف على أساس البرامج والرؤى الوطنية. وعندما يُستبدل النقاش البنّاء بالمهاترات اللفظية، تُفرغ العملية الديمقراطية من مضمونها، ويُصاب الرأي العام بخيبة أمل من أداء من يفترض أنهم قدوة في السلوك والمسؤولية

التصنيفات : سياسية | مقالات

اترك تعليقاً

استضافة وتصميم: شركة المرام للدعاية والاعلان