العراقيون… يعيدون إنتاج أزماتهم ثم يشتكون!

ع.ح.ن–IHN

بقلم:رحيم زاير العتابي

لا تزال الحياة السياسية في العراق تدور في الحلقة ذاتها، كأن الزمن متوقف، وكأن الوعي الجمعي قرر أن يبقى أسيرًا لوجوه لم تتبدل منذ أكثر من عقدين. ينتخب المواطن العراقي الوجوه نفسها التي خبر فسادها وعجزها وتناقض شعاراتها، ثم يعود بعد أيام قليلة ليشكو من تسلط من كان يخيفه بهم بالأمس. مشهد يعكس حالة فريدة في العالم، لا يتكرر في أي مجتمع آخر، إذ نرى الناخب يرفع صوته ساخطًا على من أتى بهم بيده، ثم يعلن بصراحة أنه هو السبب وهو من أوصل المفسدين إلى مواقع السلطة.

خلال الحملات الانتخابية، لم يتردد بعض السياسيين في رفع شعارات التخويف والتحريض، محذرين من عودة “السنة” أو “البعثيين” أو “المتآمرين على الدولة”، وداعين جمهورهم إلى عدم السماح بتغيير الموازين، ومروجين لعبارة “ما ننطيها” التي استُهلكت حتى فقدت معناها. لكن ما إن أعلنت النتائج، حتى شاهد العراقيون الخصوم السابقين يجلسون جنبًا إلى جنب، يتحاورون ويتصالحون ويتبادلون الود بحثًا عن التوافقات وتوزيع الحصص، وكأن ما قيل قبل الانتخابات مجرد مسرحية عابرة لا يقع أحد في أسرها إلا الجمهور البسيط.

لم يتغير شيء منذ اثنين وعشرين عامًا؛ الزعامات نفسها، القوائم ذاتها، آليات الهيمنة لم تتبدل، والتفرد بالسلطة لم يفارق أصحابه. وبرغم ذلك، يعيد الناخب العراقي إنتاج الخطأ ذاته، ثم يتساءل بدهشة عن سبب الانهيار وتراجع الخدمات وضياع الفرص. التناقض بين الفعل والشكوى بات سمة ثابتة، وكأن العراقي قرر – دون وعي – أن يعيش في دائرة مغلقة لا خروج منها.

إن أخطر ما يمر به العراق اليوم ليس فساد الساسة وحده، بل إصرار الشعب على منح الفرصة ذاتها لمن أثبتوا فشلهم. ما عاد يُجدي البكاء على الأطلال، ولا يفيد تبادل الاتهامات؛ ما دام العراقي يعيد الخطأ نفسه، فستبقى الحال من سيّئ إلى أسوأ، وسيظل البلد مادة للسخرية والقدر يفرض عليه مسارًا لا يليق بتاريخه ولا بعقله ولا بتضحيات شعبه.

العراق اليوم لا تنقصه الكفاءات ولا العقول، بل ينقصه قرار واحد: أن يتعلم من الدرس الذي يتكرر أمامه منذ عقدين، وأن يقطع الصلة مع دائرة إعادة إنتاج الفشل. بدون ذلك، سيبقى المشهد كما هو: زعماء يتغير خطابهم بتغير المقاعد، وناخب يشتكي من مرآته، وبلد يدفع الثمن دائمًا.