الزيارة الأربعينية.. هجرة الأرواح إلى الله وكرم يفوق الخيال

2025-08-11
84

ع.ح.ن-IHN

بقلم :صاحب العنزي

على طرقات العراق الممتدة نحو كربلاء، تتزاحم الأقدام وتتعانق القلوب. وجوه أنهكها المسير، لكنها مشرقة بضياء الإيمان، وعيون تلمع بالشوق إلى مرقد الحسين عليه السلام. أصوات الدعاء تتصاعد، ورائحة الخبز الحار والشاي تفوح من مواكب المحبة. هنا، لا تعرف الجنسيات ولا اللغات، فالجميع يتكلم لغة واحدة… لغة العشق الحسيني.

البعد التاريخي والديني

الأربعين ليس مجرد رقم في تقويم الزمن، بل هو ذكرى حيّة لملحمة كربلاء، حين ارتفع الحسين عليه السلام فوق جراحه ليعلن أن الكرامة أغلى من الحياة، وأن الدم الطاهر قادر على هز عروش الظالمين. ومنذ أن وقف سبايا أهل البيت على تراب كربلاء في ذلك اليوم، صارت هذه الزيارة موعدًا سنويًا للعهد والوفاء.

الزائرون اليوم يهاجرون كما هاجر الأوائل، لكن هجرتهم ليست من مكة إلى المدينة، بل من كل أصقاع الأرض إلى كربلاء، تاركين وراءهم الأهل والدنيا، حاملين في قلوبهم عهدًا لا ينكسر.

الهجرة الروحية

الهجرة الحقيقية ليست فقط عبور المسافات، بل عبور القلب من الغفلة إلى النور. وفي الأربعين، تمشي الأرواح قبل الأقدام، يذوب التعب في وهج الشوق، ويتحول الطريق إلى مدرسة للصبر، ومحراب للدعاء، وميدان للإخلاص. كل خطوة تقطعها نحو الحسين هي خطوة نحو الله، وكل نفس يُزفر في المسير هو شهادة ولاء.

كرم العراقيين.. أسطورة لا تُنسى

على جانبي الطرق، يمتد الكرم العراقي كبحر لا ساحل له. رجال ونساء، كبار وصغار، يتسابقون لخدمة الزائرين، يقدّمون الماء البارد في حر النهار، والشاي الساخن في برد الليل، والابتسامة التي تسبق الطعام والشراب.

ليس هذا الكرم عادة اجتماعية فقط، بل هو عبادة عندهم، وميراث من قيم الحسين نفسه. إنهم لا يرون في الزائر غريبًا، بل ضيفًا من ضيوف الحسين، وخدمته شرف لا يضاهيه شرف.

 

في الأربعين، تسير الأقدام على الأرض، لكن الأرواح تحلّق في السماء. إنها هجرة إلى الله عبر كربلاء، وملحمة من الحب والإيثار، يكتبها ملايين البشر وتزينها أيادي العراقيين بكرمهم الأسطوري. ستبقى هذه الزيارة أكبر اجتماع إيماني على وجه الأرض، وأجمل شاهد على أن القيم التي استشهد الحسين من أجلها لا تزال حيّة في القلوب

التصنيفات : مقالات
استضافة وتصميم: شركة المرام للدعاية والاعلان