نظرة على ماوراء الحدث : الكذبة الكبرى

2016-08-22
215

 

 

 

 

بقلم صالح مهدي الكناني

كثيرة هي الأسباب التي يطالعنا بها المحللون السياسيون في وسائل الإعلام المختلفة، حول الأسباب الكامنة وراء الغزو الأمريكي واحتلال العراق ، فالبعض يفسره بأنه غزو تقليدي  سعيا ً للحصول على مصادر الثروة ، مستدلين بذلك ما تمثله السيطرة على مكامن الطاقة في رسم سياسات الدول الكبرى ، في الوقت الذي يمثل فيه العراق اكبر احتياطي نفطي في المنطقة ، خاصة مع ازدياد الطلب على الطاقة ؛ نتيجة للتطور غير المسبوق على شتى الأصعدة خلال القرن الماضي والقرن الحالي ، أما البعض الآخر فذهب في تحليلاته  مستنداً على التهديدات التي مثلها نظام صدام على الأمن الإقليمي ، لاسيما بعد تلويحه بالقوة العسكرية وإمكانية استخدامه للأسلحة النووية والكيماوية ، خاصة بعد ضربه إسرائيل وبعدها غزوه الكويت ، وهذا ما أعطى الولايات المتحدة مسوغا ً وان كان غير واقعي  للحصول على دعم الرأي العام العالمي ودعم مجلس الأمن بالتصويت على غزو العراق ، في حين ذهب الفريق الثالث بتفسير الاحتلال على انه نتيجة طبيعية لتمادي نظام صدام على كل الأعراف والقوانين الدولية  من جانب وضغط قوى المعارضة العراقية  في الخارج على الدول العظمى لإقناعها بتخليص الشعب العراقي من النظام الدكتاتوري واستبداله بنظام ديمقراطي  على أساس احترام قرار أبناء الشعب ،  وهذا ما عدوه مكسب وانجاز للقوى السياسية التي اطلعت بمهام الحكم في الوقت الراهن، ولعل جُل هذه التفسيرات تنطوي على الكثير من الواقعية خاصة وان قضية احتلال العراق قد كلفت الدول المشاركة في الغزو الكثير من الأموال والأرواح ما ألقى بضلاله على الأوضاع الداخلية في تلك الدول ، وعلى اعتبار إن الولايات المتحدة الدولة المسيطرة والقطب الأوحد في العالم فمن غير المعقول أن تربط مصير شعوبها بالمجهول بل على أساس قدر كبير من الدراسة والتخطيط المسبق ، لكن من كان يصدق إن الولايات المتحدة الأمريكية تضع الغيبيات والمعتقدات الوثنية أساساً لرسم سياستها وسبيلا ً للحفاظ على أمنها القومي ، ثم هل من المعقول أن تحشد  قوى الدول الكبرى جيوشها وتستنفر مواردها في خدمة البيت الأبيض  بناءاً على نبوءات وهلوسات وردت في طالع الرئيس الأمريكي ، ولكن إذا ما اطلّعنا على سيرة  بوش الابن ستبدو الحقيقة واضحة وتنجلي الغرابة عن أذهاننا ، ولعل ما جاء في كتاب ( لو كررت ذلك على مسامعي فلن أصدقه ) للكاتب الفرنسي (جان كلود موريس) ، يؤكد حقيقة الكذبة الأمريكية التي اتخذت من ادعاءات امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل ذريعة وغطاءاً لإقناع دول العالم بخطورة نظام صدام على السلم الدولي، من خلال  ما دار بين الرئيس الفرنسي السابق ( جاك شيراك ) وبوش الابن خلال اتصال الثاني به  لإقناعه بالاشتراك بالحرب ضد العراق وتحشيد كل الإمكانات المتاحة لمواجهة قوى ( يأجوج ومأجوج ) القادمة من الشرق ، ومن العراق بالذات ،  و  يورد الكتاب نص ما دار بين الرئيسين ، حيث يقول (شيراك)   : (تلقيت من الرئيس بوش مكالمة هاتفية في مطلع عام 2003 , فوجئت فيها بالرئيس بوش وهو يطلب مني الموافقة على ضم الجيش الفرنسي للقوات المتحالفة ضد العراق,  مبرراً ذلك بتدمير آخر أوكار “يأجوج ومأجوج” , مدعياً إنهما مختبئان الآن في الشرق الأوسط,  قرب مدينة بابل القديمة, وأصر على الاشتراك معه في حملته الحربية, التي وصفها بالحملة الإيمانية المباركة, ومؤازرته في تنفيذ هذا الواجب الإلهي المقدس, الذي أكدت عليه نبوءات التوراة والإنجيل).  وهنا يبدي الرئيس الفرنسي السابق استغرابه من الحرب التي ستقودها  أمريكا وحلفائها مدفوعة بتفكير سحري ديني ينبع من مزابل الخرافات المتطرفة,  وينبعث من كهوف الكنيسة الانجليكانية,  التي مازالت تقول : (كانت الصهيونية أنشودة مسيحية ثم أصبحت حركة سياسية).  ويذكر الكتاب أن (جاك شيراك) وجد نفسه بحاجة إلى التزود بالمعارف المتوفرة بكل ما تحدثت به التوراة عن يأجوج ومأجوج,  وطالب المستشارين بمعلومات أكثر دقة من متخصصين في التوراة,  على أن لا يكونوا من الفرنسيين,  لتفادي حدوث أي خرق أو تسريب في المعلومات,  فوجد ضالته في البروفسور (توماس رومر), وهو من علماء الفقه اليهودي في جامعة (لوزان) السويسرية, وأوضح البروفسور: إن يأجوج ومأجوج ورد ذكرهما في سفر (التكوين), في الفصلين الأكثر غموضا, وفيهما إشارات غيبية, تذكر: ((أن يأجوج ومأجوج سيقودان جيوش جرارة لتدمير إسرائيل ومحوها من الوجود,  وعندئذ ستهب قوة عظمى لحماية اليهود,  في حرب يريدها الرب,  وتقضي على يأجوج ومأجوج وجيشيهما ليبدأ العالم بعدها حياة جديدة)),  ويقول مؤلف الكتاب :  إن الطائفة المسيحية التي ينتمي إليها بوش, هي الطائفة الأكثر تطرفاً في تفسير العهد القديم (التوراة),  وتتمحور معتقداتها حول ما يسمى بالمنازلة الخرافية الكبرى,  ويطلقون عليها اصطلاح (الهرمجدون), وهي المعركة المنتظرة, التي خططت لها المذاهب اليهودية المتعصبة,  واستعدوا لخوضها في الشرق الأوسط,  ويعتبرونها من المعارك الحتمية الفاصلة,  وكان ساسة البنتاغون,  من المتعصبين ضد الإسلام يجهدون أنفسهم بمراجعة الكتب السماوية المحرفة,  ويستمعون إلى هذيان الحاخامات والقساوسة والمنجمين. فتراهم منكبين على تفسير النصوص الإنجيلية والتوراتية المزيفة. يساندهم في هذه المهمة  فريق متكامل من السحرة والمشعوذين . ويستنبطون سيناريوهات حروبهم الاستعلائية والاستباحية من ( سفر التكوين وسفر حزقيال والتلمود والزوهار والطاروط) ،  ويستشهدون بها في خطاباتهم وحملاتهم الإعلامية. ويعتمدون عليها في صياغة بيانات معركة (الهرمجدون Armageddon) قبل وقوعها. و(الهرمجدون) كلمة عبرية مكوّنة من مقطعين. (هر) أو (هار) بمعنى جبل, و(مجدون) : اسم واد في فلسطين. يقع في مرج ابن عامر, وكلمة (هرمجدون) تعني : جبل مجدون . وبصرف النظر عن مدلول الكلمة, فأنها ترمز إلى الحرب العدائية, التي تخطط لها أمريكا وعملائها, ونحن نقف اليوم على أعتاب اندلاع حروب جديدة تستهدف تدمير الشرق الأوسط برمته, و(الهرمجدون) عقيدة فكرية  ولدت من  الأساطير الغابرة, وانبعثت من رماد النبوءات المحرفة,  فهي عقيدة شريرة خطيرة ومعدية. تغلغلت في قلب أكثر من 1200 كنيسة انجليكانية, و ( الهرمجدون) عقيدة رسختها وسائل الإعلام الغربية , حتى أصبح من المألوف جدا سماع هذه الكلمة تتردد في تصريحات الرؤساء, والقادة في القارتين الأوربية والأمريكية,  فقد ورد في تصريح الرئيس الأمريكي الأسبق (رونالد ريغان) عام 1980 : (( أننا قد نكون من الجيل الذي سيشهد معركة هرمجدون. )), وصرح خمس مرات باعتقاده بقرب حلول معركة (هرمجدون), وقال (جيمي سواجرت) : (( كنت أتمنى أن استطيع القول, أننا سنحصل على السلام. ولكني أومن بأن الهرمجدون قادمة, وسيخاض غمارها في وادي مجدون, أو في بابل. أنهم يستطيعون أن يوقعوا على اتفاقيات السلام التي يريدون. أن ذلك لن يحقق شيئا. فهناك أيام سوداء تلوح في الأفق. )). وقال زعيم الأصوليين المسحيين (جيري فلويل) : (( أن الهرمجدون حقيقة. إنها حقيقة مركبة, ولكن نشكر الرب إنها ستكون المنازلة النهائية )), وقال القس المسيحي الأصولي (كين بوغ) : ((أن المليارات من البشر سوف يموتون في هرمجدون)), وقال (سكوفيلد) : ((أن المسيحيين المخلصين يجب أن يرحبوا بهذه الواقعة. فبمجرد ما تبدأ معركة الهرمجدون. فان المسيح سوف يرفعهم فوق السحاب. وأنهم لن يصابوا بأي ضرر من هذه الحرب الساحقة الماحقة, التي تجري تحتهم)), ولسكوفيلد إنجيل خاص به. شحنه بكل الخرافات والسفسطات الفاسدة, المنحازة لليهود والصهيونية, وقالت الكاتبة الأمريكية (جريس هالسال) : (( أننا نؤمن تماما أن تاريخ الإنسانية سوف ينتهي بمعركة تدعى الهرمجدون )), وذكرت (غريس) في كتابها (النبوءة والسياسة), الذي نشرته لها مؤسسة (سن لنسن) عام 1985 : (( أن 61 مليون أمريكي. يستمعون بانتظام إلى مذيعين يبشرون على شاشات التلفزيون بقرب وقوع معركة الهرمجدون, وبأنها ستكون معركة نووية فاصلة)), ويقدم الكاهن (جاك فان ) برنامجاً أسبوعيا تبثه 90 قناة تلفزيونية, و 43 محطة إذاعية. بينما يصل برنامج (جيمس دوبسن) التلفزيوني إلى أكثر من 28 مليون مشاهد. أما شبكة (CBN), التي يديرها الكاهن المتعصب (بات روبرتسون), فهي الأوسع نفوذا وتأثيرا في أمريكا, وجندت المنظمات الظلامية  (80) ألف قسيس, و (20) ألف مدرسة لاهوتية, و (200) كلية لاهوت, ومئات المحطات التلفزيونية. لنشر عقيدة (الهرمجدون), وإقناع الناس وتلاميذ المدارس الابتدائية بحتمية وقوع المنازلة الكبرى في الشرق الأوسط, ومما يثير الفزع أن تلك القوى الوسائل الإعلامية  تمتلك السلطة والنفوذ وصناعة القرار في أمريكا. ولها القدرة على فرض سيطرتها على الحكومتين البريطانية والاسترالية, وحذرت مجلة (لونوفيل اوبسرفاتور), الفرنسية, من تنامي هذه العقيدة  الجديدة المتطرفة. وذكرت أن الرئيس (بوش), المؤمن جداً بهذه العقيدة الشاذة, اتصل بالرئيس الفرنسي (شيراك) ذات مرة, لحثه على مؤازرته في غزو العراق. قائلا له : (( اسمع يا صديقي شيراك. لقد أخذت على عاتقي تخليص العالم من الدول المارقة والشريرة, وسأسعى بكل ما أوتيت من قوة لخوض معركة الهرمجدون هناك)), ومما يؤسف له أن بعض رجالات الدين والسياسة في العالمين العربي والإسلامي, من هواة التفرقة, تطوعوا للقيام بهذه المهمة, من دون أن تجندهم أمريكا.  كما ساد الاعتقاد بان معركة (الهرمجدون) سوف تقع بين أمريكا وإيران. أو أنها ستستهدف جنوب لبنان, القريب من وادي (مجدون). بمعنى أن (الشيعة) هم وحدهم الذين سيواجهون هذه المعركة الصاروخية الطاحنة. وهذا يفسر قيام بعض الفضائيات العربية بعرض فلم (هرمجدون ARMAGEDDON) في الساعات الأولى للغارات الإسرائيلية على جنوب لبنان. ويبدو أن تلك الفضائيات تبرعت بعرض الفلم, من دون أن تعير أية أهمية لحجم مسئوليتها التاريخية, والأخلاقية, والدينية لعرض ذلك الفلم في تلك الليلة الدامية, التي شنت فيها إسرائيل حربها العدوانية الواسعة على لبنان.  وهناك فريق آخر  يعتقد, بان معركة الهرمجدون تعبر عن الصراع الفلسطيني بين (فتح) و (حماس). وظهرت في عالمنا الإسلامي فرق متخصصة بالتفجير والتفخيخ والنسف والتدمير والاغتيالات وإشاعة العنف والفوضى. بينما راحت أمريكا تواصل إبحارها نحو مستنقعات المفاهيم الدينية الملفقة. ففقدت احترامها على الصعيد العالمي. ولم تعد لديها أية أسس سليمة تستند عليها في تبرير تدخلاتها الخارجية السافرة في منطقة الشرق الأوسط وخاصة في العراق , سوى تكهنات العرافين, ونبوءات المجانين. فاهتزت صورتها أمام الرأي العام العالمي. لكنها مازالت مستمرة في لعب دور  المتدين في المسارح السياسية , ولم يعد لديها ما تقوله في الشأن الدولي, سوى ترديد ما حملته إليها التيارات الأصولية المتشددة من  المعابد الوثنية, وفي مقدمتها العقيدة (الهرمجدونية) .  ولعل الرئيس الأميركي الأسبق (رونالد ريغان) يأتي في مقدمة المهتمين بهذه العقيدة البالية وازداد إيمانه والتزامه بالأفكار الدينية, التي تؤمن بها الحركة المسيحية – الصهيونية بعد انتخابه رئيساً للولايات المتحدة في عام 1980، وبعد التجديد له لدورة رئاسية ثانية في عام 1984, ونشرت صحيفة (ساندياغو) عام 1985 تصريحاً على لسان رئيس مجلس الشيوخ (جيمس ميلز), يقول فيه: (كنت اجلس جنباً إلى جنب مع ريغان في احتفال خاص. فسألني سؤالا غير متوقع: هل قرأت الفصلين 38 و39 من سفر حزقيال  ؟ , فأكدت له إنني ترعرعت في أسرة متدينة ومؤمنة بالكتاب المقدّس. عندئذ شرع بتكرار قراءة تلك المقاطع من سفر حزقيال, التي تتحدث عن يأجوج ومأجوج, وقال لي إن المقصود هنا هو ضرورة توجيه ضربة لروسيا التي يختبئ فيها يأجوج ومأجوج, ثم اخذ يقرأ مقاطع من سفر الرؤيا, وقال ريغان: إن حزقيال رأى في العهد القديم المذبحة التي ستدمر عصرنا. ثم تحدث بخبث عن ليبيا لتحوّلها إلى دولة شيوعية، وأصرّ على أن في ذلك إشارة إلى أن يوم الهرمجدون الذي أصبح في نظره وشيكاً). لقد كانت أمنية الرئيس ريغان أن يضغط على الزر النووي لتفجير معركة الهرمجدون, التي يعتبر انفجارها شرطاً مسبقاً لتحقق نبوءات التوراة, ولكنه مات  قبل أن يحقق رغبته. هذه هي الحقيقة التي غيبت عن الكثيرين من الساسة والمختصين في العراق، وهنا سؤال يطرح نفسه هل ستخرج قوات الاحتلال الأمريكي فعلاً من العراق مع نهاية عام 2011  ؟ ، أم إنها ستقفز إلى دولة أخرى لتبحث عن خزعبلات اليهود من يأجوج ومأجوج،  وهل سيكون العراق محط انطلاق حرب أخرى مبررة ومتناسقة مع ما جاءت به الاتفاقية بين الجانبين الأمريكي والعراقي ، تساؤلات ستجيب عنها الأعوام القريبة القادمة ، ولكن تبقى الحقيقة المجردة  محنة شعب أبت الزوال وساسة أبو إلا الرضوخ لشهوات السلطان متناسين جراح عمقها عقود من الحرمان والجهل والتخلف دفع  أبناء  الشعب العراقي ثمنها غاليا ولا يزال  .انتهى

 

استضافة وتصميم: شركة المرام للدعاية والاعلان