حسين الغريق… دموع أمٍّ ونخوة وطن تتجسّد على ضفاف دجلة

2025-10-21
136

ع.ح.ن-IHN

بقلم:ر .التحرير:رحيم العتابي

على ضفاف دجلة هذه الأيام، لا يمرّ النسيم دون أن يحمل أنين أمٍّ مفجوعة ووقع أقدام رجالٍ جاؤوا من كل صوب، يتنافسون في فعل الخير وكأنهم يسابقون النهر نفسه في الوفاء.
هنا، عند موقت الغريق، يُروى فصل جديد من ملحمة عراقية خالدة، بطلها شاب من السماوة اسمه حسين، غاب جسده في الماء، لكنه أيقظ في الناس كل ما هو جميل.

حسين، العامل البسيط، الذي ترك أمَّه خلفه في السماوة ليعمل في بغداد بحثًا عن لقمة الكرامة، أراد أن يستريح قليلًا في يوم صيفي ويغتسل في دجلة… لكن النهر ضمّه إليه ولم يُعِده.
ومنذ تلك اللحظة، بدأت القصة التي تجاوزت حدود الحادثة، لتصبح حالة وطنية وإنسانية فريدة، أعادت للعراقيين معنى التضامن والإخاء الحقيقي.

صوت أمّه وهي تبكي عند الضفة صار نداءً للعراق كلّه. لم تمضِ ساعات حتى تدفقت فرق الإنقاذ الرسمية من الشرطة النهرية والدفاع المدني، تتقدّمها مجاميع المتطوعين من مختلف المحافظات، يحملون معهم الغواصين والخبرة والإرادة، لا يسأل أحدهم من أي مدينة حسين، ولا إلى أي طائفة ينتمي، فالكل أجاب بنداء واحد:

“كلنا حسين، وكلنا أم حسين”

غاصت الفرق ليلًا ونهارًا، بحثًا عن الجسد الذي استعصى على الظهور، حتى إنهم عثروا خلال جهودهم على أربع جثث أخرى جرفها النهر من قبل، بينما ظل حسين غائبًا، كأن دجلة يحتفظ به بين أمواجه احترامًا لتلك الأم التي ما زالت تنتظر على الضفة، لا تفارق المكان، تجلس بثوبها الأسود، تراقب الموج وتناجي القدر.

حولها، مشهد يختصر العراق: رجال من الأنبار والبصرة، من الموصل والنجف والسماوة، شبابٌ يطبخون للغرباء، وآخرون يوزعون الماء على المتعبين، وخيم نُصبت للراحة والدعاء، وعيونٌ لا تنام حتى يعثروا على الغريق.
لم تعد المنطقة ساحة بحث فقط، بل ساحة وطن، فيها تمتزج الدموع بالنخوة، والحزن بالكرامة، والعزاء بالأمل.

مشهدٌ لا يُرى إلا في العراق، حين تتحول المأساة إلى عرس وطني تُكتب فيه أسمى معاني الوفاء.
فكل من يقف عند دجلة اليوم، يرى في الماء انعكاس وجه وطنٍ رغم جراحه، ما زال قلبه حيًّا ونبضه واحدًا.

اللهم أخرج جسد حسين بسلام، وامنح أمَّه سكينة الصبر، وبارك في كل من هبّ لنجدتها من شمال الوطن إلى جنوبه.
فالعراق، مهما تقاسمتْه الهموم، يبقى واحدًا حين تناديه أمٌّ تبكي على ضفاف دجلة.

التصنيفات : مقالات
استضافة وتصميم: شركة المرام للدعاية والاعلان